كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالجميع متفق على أن سبب نزولها أن قومًا يتطاولون على قوم، ويقولون: إن العبد منا لا يساويه العبد منكم، وإنما يساويه الحر منكم، والمرأة منا لا تساويها المرأة منكم، وإنما يساويها الرجل منكم، فنزل القرآن مبينًا أنهم سواء، وليس المتطاول منهم على صاحبه بأشرف منه، ولهذا لم يعتبر مفهوم المخالفة هنا.
وأما قتل الحر بالعبد، فقد اختلف فيه، وجمهور العلماء على أنه لا يقتل حر بعبد، منهم مالك، وإسحاق، وأبو ثور، والشافعي، وأحمد.
وممن قال بهذا ابو بكر، وعمر، وعلي، وزيد، وابن الزبير- رضي الله عنهم- وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، والحسن، وعكرمة، وعمرو بن دينار، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني، وغيره.
وقال أبو حنيفة: يقتل الحر بالعبد: وهو مروي عن سعيد بن المسيب، والنخعي، وقتادة، والثوري، واحتج هؤلاء على قتل الحر بالعبد، بقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافؤ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم» الحديث.
أخرجه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والحاكم وصححه.
فعموم المؤمنين يدخل فيه العبيد، وكذلك عموم النفس في قوله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: «والنفس بالنفس» في الحديث المتقدم، واستدلوا أيضًا بما رواه قتادة، عن الحسن، عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه»، رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي: حسن غريب، وفي رواية لأبي داود، والنسائي: «ومن خصي عبده خصيناه»، هذه هي أدلة من قال بقتل الحر بالعبد.
وأُجيب عنها من جهة الجمهور بما ستراه الآن إن شاء الله تعالى، أما دخول قتل الحر بالعبد في عموم المؤمنين في حديث «المؤمنون تتكافؤ دماؤهم».
وعموم النفس بالنفس في الآية. والحديث المذكورين، فاعلم أولًا أن دخول العبيد في عمومات نصوص الكتاب والسنة اختلف فيه علماء الأصول على ثلاثة أقوال:
الأول: وعليه أكثر العلماء: أن العبيد داخلون في عمومات النصوص، لأنهم من جملة المخاطبين بها.
الثاني: وذهب إليه بعض العلماء من المالكية، والشافعية، وغيرهم أنهم لا يدخلون فيها إلا بدليل منفصل، واستدل لهذا القول بكثرة عدم دخولهم في خطاب الجهاد، والحج، وكقوله تعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْن} [البقرة: 228] الآية، فالإماء لا يدخلن فيه.
الثالث: وذهب إليه الرازي من الحنفية أن النص العام إن كان من العبادات، فهم داخلون فيه، وإن كان من المعاملات لم يدخلوا فيه، وأشار في «مراقي السعود» إلى أن دخولهم في الخطاب العام هو الصحيح الذي يقتضيه الدليل بقوله:
والعبد والموجود والذي كفر ** مشمولة له لدى ذوي النظر

وينبني على الخلاف في دخولهم في عمومات النصوص، وجوب صلاة الجمعة على المملوكين، فعلى أنهم داخلون في العموم فهي واجبة عليهم، وعلى أنهم لا يدخلون فيه إلا بدليل منفصل، فهي غير واجبة عليهم، وكذلك إقرار العبد بالعقوبة ببدنه ينبني أيضًا على الخلاف المذكور، قاله صاحب «نشر البنود شرح مراقي السعود» في شرح البيت المذكور آنفًا، فإذا علمت هذا، فاعلم أنه على القول بعدم دخول العبيد في عموم نصوص الكتاب والسنة، فلا إشكال.
وعلى القول بدخولهم فيه، فالجواب عن عدم إدخالهم في عموم النصوص التي ذكرناها يعلم من أدلة الجمهور الآتية إن شاء الله على عدم قتل الحر بالعبد، وأما حديث سمرة فيجاب عنه من أوجه:
الأول: أن أكثر العلماء بالحديث تركوا رواية الحسن عن سمرة، لأنه لم يسمع منه، وقال قوم: لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وأثبت علي بن المديني، والبخاري سماعه عنه.
قال البيهقي في «السنن الكبرى» في كتاب «الجنايات» ما نصه: وأكثر أهل العلم بالحديث رغبوا عن رواية الحسن عن سمرة، وذهب بعضهم إلى أنه لم يسمع منه غير حديث العقيقة. وقال أيضًا في باب «النهي عن بيع الحيوان بالحيوان»: إن أكثر الحفاظ لا يثبتون سَماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة.
الثاني: أن الحسن كان يفتي بأن الحر لا يقتل بالعبد، ومخالفته لما روى تدل على ضعفه عنده، قال البيهقي أيضًا ما نصه: قال قتادة: ثم إن الحسن نسي هذا الحديث، قال: لا يقتل حر بعبد، قال الشيخ: يشبه أن يكون الحسن لم ينس الحديث، لكن رغب عنه لضعفه.
الثالث: ما ذكره صاحب «منتقى الأخبار» من أن أكثر العلماء قال بعدم قتل الحر بالعبد، وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده، لئلا يتوهم تقدم الملك مانعًا من القصاص.
الرابع: أنه معارض بالأدلة التي تمسك بها الجمهور في عدم قتل الحر بالعبد، وستأتي إن شاء الله تعالى مفصلة، وهي تدل على النهي عن قتل الحر بالعبد، والنهي مقدم على الأمر، كما تقرر في الأصول.
الخامس: ما ادعى ابن العربي دلالته على بطلان هذا القول من قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]، وولي العبد سيده، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد} [البقرة: 178] الآية ما نصّه. قال ابن العربي: ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا: يقتل الحر بعبد نفسه. ورووا في ذلك حديثًا عن الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل عبده قتلناه» وهو حديث ضعيف.
ودليلنا قوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي القتل} [الإسراء: 33]، والولي ها هنا: السيد، فكيف يجعل له سلطان على نفسه، وقد اتفق الجميع على أن السيد إذا قتل عبده خطأ أنه لا تؤخذ منه قيمته لبيت المال اهـ.
وقال الشيخ الشنقيطي:
وتعقب القرطبي تضعيف ابن العربي لحديث الحسن هذا عن سمرة، بأن البخاري، وابن المديني صححا سماعه منه، وقد علمت تضعيف الأكثر لرواية الحسن عن سمرة فيما تقدم. ويدل على ضعفه مخالفة الحسن نفسه له.
السادس: أن الحديث خارج مخرج التحذير، والمبالغة في الزجر.
السابع: ما قيل من أنه منسوخ.
قال الشوكاني: ويؤيد دعوى النسخ فتوى الحسن بخلافه.
الثامن: مفهوم قوله تعالى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178]، ولكنا قد قدمنا عدم اعتبار هذا المفهوم، كما يدل عليه سبب النزول.
واحتج القائلون بأن الحر لا يقتل بالعبد، وهم الجمهور بأدلة منها ما رواه الدارقطني، بإسناده عن إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده «أن رجلًا قتل عبده متعمدًا، فجلده النَّبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونفاه سنة، ومحا اسمه من المسلمين، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة» ورواية إسماعيل بن عياش، عن الشاميين: قوية صحيحة.
ومعلوم أن الأوزاعي شامي دمشقي، قال في «نيل الأوطار»: ولكن دونه في إسناد هذا الحديث محمد بن عبد العزيز الشامي، قال فيه ابن أبي حاتم: لم يكن عندهم بالمحمود، وعنده غرائب.
وأسند البيهقي هذا الحديث، فقال: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأ علي بن عمر الحافظ، ثنا الحسين بن الحسين الصابوني الأنطاكي، قاضي الثغور، ثنا محمد بن الحكم الرملي، ثنا محمد بن عبد العزيز الرملي، ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن الأوزاعي إلى آخر السند المتقدم بلفظ المتن، ومُحمَّد بن عبد العزيز الرملي من رجال البخاري، وقال فيه ابن حجر في «التقريب»: صدوق بهم، فتضعيف هذا الحديث به لا يخلو من نظر.
والظاهر أن تضعيف البيهقي له من جهة إسماعيل بن عياش، وقد عرفتَ أن الحق كونه قويًا في الشاميين، دون الحجازيين، كما صرَّح به أئمة الحديث كالإمام أحمد والبخاري، ولحديث عمرو بن شعيب هذا شاهد من حديث علي عند البيهقي وغيره من طريق إسماعيل بن عياش، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده متعمدًا فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة، ونفاه سنة، ومحا اسمه من المسلمين، ولم يقده به. ولكن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك.
ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد ما رواه البيهقي، وغيره عن عمر بن الخطاب، أنه جاءته جارية اتهمها سيِّدها فأقعدها في النَّار فاحترق فرجها، فقال رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقاد مملوك من مالكه، ولا ولد من والده»، لأَقدناها منك فبرزه، وضربه مائة سوط، وقال للجارية: اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله، وأنت مولاة الله ورسوله. قال أبو صالح، وقال الليث: وهذا القول معمول به. وفي إسناد هذا الحديث عمر بن عيسى القرشي الأسدي. ذكر البيهقي عن أبي أحمد أنه سمع ابن حماد يذكر عن البخاري أنه منكر الحديث.
وقال فيه الشوكاني: هو منكر الحديث، كما قال البخاريّ: ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد، ما رواه الدارقطني، والبيهقي عن ابن عبّاس أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل حرٌّ بعبدٍ» قال البيهقي بعد أن ساق هذا الحديث: وفي هذا الإسناد ضعف، وإسناده المذكور فيه جويبر، وهو ضعيف جدًا.
وقال الشوكاني في إسناد هذا الحديث: فيه جويبر وغيره من المتروكين، ومن أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد ما رواه البيهقي وغيره من طريق جابر بن زيد الجعفيّ، عن علي رضي الله عنه أنه قال: «من السُّنة ألاَّ يقتل حرٌّ بعبد» تفرد بهذا الحديث جابر المذكور، وقد ضعّفه الأكثر، وقال فيه ابن حجر في التقريب: ضعيف رافضيّ.
وقال فيه النسائي: متروك، ووثقه قوم منهم الثوري، وذكر البيهقي في السنن الكبرى في باب «النهي عن الإمامة جالسًا» عن الدارقطني: أنه متروك.
ومن أدلتهم أيضًا ما رواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كان لِزنباع عبد يسمَّى سندرا، أو ابن سندره، فوجده يقبل جارية له فأخذه فجبه، وجدع أذنيه وأنفه، فأتى إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال «من مثَّل بعبده أو حرقه بالنار فهو حر، وهو مولى الله ورسوله» فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقده منه، فقال: يا رسول الله أوص بي، فقال: «أوصي بك كل مسلم».
قال البيهقي بعد أن ساق هذا الحديث: المثنى بن الصباح ضعيف لا يحتج به، وقد روي عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو مختصرًا، ولا يحتج به، وقد قدمنا في آية التيمم تضعيف حجاج بن أرطاة.
وروي عن سوار بن أبي حمزة، وليس بالقويّ، والله أعلم، هكذا قال البيهقي.
قال مقيده عفا الله عنه: سوار بن أبي حمزة من رجال مسلم، وقال فيه ابن حجر في «التقريب»: صدوق له أوهام، ومن أدلتهم أيضًا ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: جاء رجل مستصرخ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: حادثة لي يا رسول الله، فقال: «ويحك ما لك»؟ فقال: شر، أبصر لسيِّده جارية فغار فجب مذاكيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي بالرجل»، فطلب فلم يقدر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فأنت حر»، فقال: يا رسول الله على مَن نصرتي؟ قال: «على كلِّ مؤمن»، أو قال: «على كلِّ مسلم»، ومن أدلتهم، ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى عن أبي جعفر عن بكير أنه قال: مضت السنة بألا يقتل الحر المسلم بالعبد، وإن قتله عمدًا، وعليه العقل.
ومن أدلتهم أيضًا ما أخرجه البيهقي أيضًا عن الحسن، وعطاء، والزهري وغيرهم من قولهم: «إنه لا يقْتل حر بعبد» وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والبيهقي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه «أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد» وهذه الروايات الكثيرة، وإن كانت لا يخلو شيء منها من مقال، فإن بعضها يشد بعضًا، ويقويه حتى يصلح المجموع للاحتجاج.